نصيحة إلى كل أم
المقالة
الأخلاق هي جوهر الإسلام، والقرآن الكريم هو المصدر الأول لكل مكارم الأخلاق. ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، هو المثل الأعلى لهذه الأخلاق؛ جاء ليعلن على الناس جميعا رسالته. وقد وصفه الله عز وجل بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]. ولما سُئِلَتْ عائِشةُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ خُلُقِه قالَتْ: "كان خُلُقُه القُرآنَ". وكان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، يحث أصحابه على حسن الخُلُق، ويربِّيهم عليه؛ فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "خياركم أحاسنكم أخلاقا". وحين سأل الصحابة النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله، ما خير ما أعطى الإنسان؟ قال: الخلق الحسن". ولما كانت الأخلاق بهذه المنزلة الكبرى في الإسلام، فقد عنيت بها التربية الإسلامية عناية فائقة، ويكاد يجمع المربون المسلمون على أن "الغرض الأول والأسمى من التربية الإسلامية؛ تهذيب الخلق، وتربية الروح". وفي هذا الإطار، دار الهدف الخلقي في التربية الإسلامية -عبر ما تركته لنا الحضارة الإسلامية من فكر تربوي- حول تعليم الصبيان الآداب الإسلامية والعادات الحميدة، والأخلاق الفاضلة، والممارسة العملية للفضائل الخلقية الإسلامية المنشودة. ومن أقوال علماء التربية المسلمين في وجوب التزام هذا المبدأ، وبيان حكمه وحكمته: قال المغراوي (920 هـ): ‹‹ينبغي للمعلم ألا يؤدبهم على الكذب والسب والهرب من المسجد… وعلى المعاملة بالربا، ويمدح لهم السخاء والشجاعة والكرم، ويذم لهم الشح والطمع››. وقال ابن سينا (428 هـ): ‹‹يجب أن يكون وكد العناية مصروفا إلى مراعاة أخلاق الصبي فيعدل… ففي تعديل أخلاق الصبي، حفظ الصحة، للنفس والبدن جميعا››. وقال الغزالي (505هـ): إن الطفل حين يذهب إلى الكُتَّاب ‹‹يتعلم القرآن وأحاديث الأخيار، وحكايات الأبرار وأحوالهم لينغرس في نفسه حب الصالحين، ويحفظ من الأشعار التي فيها ذكر العشق وأهله، ويحفظ من مخالطة الأدباء الذين يزعمون أن ذلك من الظرف ورقة الطبع؛ فإن ذلك يغرس في قلوب الصبيان بذر الفساد››. وأكد (الغزالي) على أهمية تعويد الطفل الآداب والعادات الحميدة؛ فمن ذلك أن يعود التواضع والإكرام لكل من عاشره، والتلطف في الكلام معهم. وينبغي ألا يبصق في مجلسه، ولا يتمخط ولا يتثاءب بحضرة غيره، ولا يستدبر غيره، ولا يضع رجلا على رجل، ويعلم كيفية الجلوس، ويمنع كثرة الكلام، ويبين له أن ذلك يدل على الوقاحة، وأنه فعل أبناء اللئام، ويمنع اليمين رأسا، صادقا أو كاذبا، ويعود ألا يتكلم إلا صوابا، وبقدر السؤال، وأن يحسن الاستماع مهما تكلم غيره، ممن هو أكبر منه سنا، وأن يقوم لمن فوقه، ويوسع له المكان، ويمنع من لغو الكلام وفحشه، ومن السب ومن مخالطة من يجرى على لسانه ذلك ، فإنه يسرى لا محالة من القرناء السوء، وأصل تأديب الصبيان، الحفظ من القرناء السوء. ولم تكن هذه التوجيهات الخلقية نظرية، بل كانت تأخذ الطابع العملي؛ حيث كان المؤدب، يقوم بتأديب الأطفال وتربيتهم التربية الخلقية الصالحة، وتعويدهم العادات الخلقية والسلوك الخلقي الحميد، وتعليمهم ‹‹كيفية احترام الناس، ومراعاة الذوق والأدب طبقا للعرف الجاري، وأن يلقي السلام على من يدخل عليهم أو يمر بهم من الناس، ويأمرهم ببر الوالدين، والانقياد لأمرهما بالسمع والطاعة، والسلام عليهما وتقبيل أيديهما عند الدخول إليهما، ويضربهم على إساءة الأدب والفحش من الكلام، وغير ذلك من الأفعال الخارجة عن قانون الشرع››. إلى غير ذلك من التوجيهات الخلقية والتطبيقات العملية، التي تعود الناشئين العادات الخلقية والسلوك الخلقي الحميد، وهو ما تفتقر إليه مدارسنا وجامعاتنا في عصرنا الحالي. وهكذا، لم يقف التوجيه الخلقي للتربية الإسلامية عند مستوى النظرية؛ فقد قرنت المعرفة بالفضيلة وأكدت معيار التطبيق والممارسة. ومن هنا تعددت أساليب التطبيق في التربية الخلقية الإسلامية، فشملت تكوين العادات السلوكية السليمة والموعظة الحسنة والممارسة المستمرة، وخلق المواقف الملائمة لتطبيق المفاهيم الأخلاقية في مجالات الحياة المختلفة. وبهذا يتربى الفرد المسلم على المبادئ الخلقية الإسلامية، علما وعملا، ويتكون لديه الاستعداد الخلقي عن طريق التربية بالعلم والتجربة، فيتعود على فعل الخير، ويصير عنده عادة وخلقا وسلوكا، يتفاعل فيه الضمير والفكر والعاطفة والإرادة والتنفيذ والعادة؛ فكل هذه تتحد فتكون وحدة سلوكية، أخلاقية، يعيشها في واقع الحياة اليومية. وعن طريق هذا السلوك الخلقي؛ يكون الفرد المسلم أنموذجا للدين الذي يدين به ويدعو إليه، ونمطا حيا متحركا للفكر الإسلامي، الذي يملأ قلبه وعقله ويصدق سلوكه في الحياة، مع نفسه أو مع الآخرين. وبالرغم من أهمية الأخلاق الإسلامية وأثرها التربوي -على هذا النحو- فإن نظرة بسيطة إلى واقعنا التربوي في عالمنا الإسلامي المعاصر؛ تدل على إهمال واضح للتربية الخلقية الإسلامية، في مختلف المؤسسات التربوية والثقافية في المجتمع. ويكفي للدلالة على ذلك ‹‹الاختلاف إلى حد التناقض بين المؤسسات التربوية؛ فالقيم التربوية في وسائل الإعلام وفي الأسرة تختلف عنها في المدرسة. والقيم التربوية في الشارع تختلف عنها في دور العبادة. وكل هذا يؤدي إلى ضعف الإيمان بهذه القيم وضعف الحماس لها، وعدم ترجمتها إلى سلوك عملي، من خلال المواقف والعلاقات الاجتماعية، ويؤدي ذلك إلى الازدواجية في شخصية الفرد؛ حيث يقول ما لا يفعله ويفعل ما لا يقوله. ومن ثم، ينبغي العناية التامة بالتربية الخلقية الإسلامية، وضرورة إعادة النظر فيما يمكن أن تقدمه المؤسسات التربوية والثقافية في المجتمع، وتحقيق الانسجام والتعاون فيما بينها، للوصول إلى الغاية المنشودة من التربية الخلقية الإسلامية. ومن الواضح أن دور المدرسة في التربية الخلقية الإسلامية متمم لدور الأسرة؛ لأن الطفل إذا كان يتلقى أول دروس التربية الخلقية الإسلامية في الأسرة، فإن المدرسة تتابع ما بدأته الأسرة في هذا المجال، وبالقدوة الحية المتمثلة في العملية التعليمية ذاتها، حيث تتضمن العملية التعليمية ذاتها مواقف وعلاقات وتفاعلات؛ فموقف المعلم في كل درس من دروسه يتضمن شحنة من القيم الأخلاقية. وتفاعل المعلم مع تلاميذه من خلال كل المواقف التعليمية، أخذا وعطاء، بما يعدل من فكر وسلوك التلميذ. أما أن يكون هناك تناقض بين القول والفعل، وبين ما يجب أن يكون، وما هو كائن بالفعل؛ فهذا معيار فشل التربية الأخلاقية أساسا وفشل التربية بشكل عام، كما أنه مؤشر إلى سوء النظام التعليمي، ودليل على خلل في أساليب التربية. ومن ثم ينبغي أن يبدأ المربي المسلم بإصلاح نفسه أولا. في المناسبات والمواقف التربوية المختلفة، مجال واسع خصيب لتنمية الاتجاهات الخلقية السليمة، وتدريب المتعلمين على السلوك الخلقي الحميد؛ لأن التربية الأخلاقية ليست منفصلة عن التربية الفكرية أو التربية الروحية أو التربية العملية؛ فكلها مترابطة متفاعلة. فدرس الدين هو درس أخلاق، ودرس الرياضة واللعب هو درس أخلاق، ودرس الطبيعة درس أخلاق، والاشتغال في المعمل درس أخلاق. وواجب المربي في كل هذه المواقف، هو أن يوجه الناشئة دوما إلى المعاني الأخلاقية السامية المطلوبة، في شتى مناحي حياتهم وفي شتى المناسبات؛ وذلك لكي تترسخ الأخلاق الإسلامية في نفوسهم، ويظهر أثرها في سلوكهم وأعمالهم. وبهذا، لا تقتصر التربية الخلقية الإسلامية على دروس الدين فحسب، بل تتعداه إلى الجو المدرسي عامة، وإلى المواقف التربوية في سائر المواد الدراسية.